ما هو علم الانثروبيولوجيا .... 1
« في: 06 25, 2003, 02:46:14 »
--------------------------------------------------------------------------------
الأنثروبيولوجيا هي مصطلح مركب من مقطعين باللغة اليونانية هما ( أنثروس ) و تعني إنسان و ( لوجيا ) و تعني علم و بهذا فهي تعني علم الإنسان أو المعرفة المنظمة عن الإنسان , و هي تجمع في علم واحد الجوانب البيولوجية و الاجتماعية و الثقافية للإنسان و ميدان الدراسة الأساسي لها هو الجماعات أو المجتمعات التي تدعى بالبدائية و إن كان هذا الميدان اتسع في الفترة الأخيرة بحيث أصبح يشمل دراسة المجتمعات العليا القديمة و بتأثير المدرسة الثقافية الأميركية ازداد المجال اتساعاً ليشمل مجتمعات أوروبية الأصل تعيش في ظروف تكنولوجية حديثة , و بالتالي أصبحت تدرس الأنماط الحضارية ذات الطابع المعاصر و القديم و الأولي و المدني , كما تدرس المجتمعات الحديثة في الريف و المدينة و تأثير الهجرات في التركيبات الحضارية الثقافية المعاصرة . و من الناحية الاصطلاحية نجد تصورين أساسيين لهذا العلم , التصور الأول هو التصور الأميركي الذي ينظر للأنثروبيولوجيا كعلم يهتم بدراسة الإنسان من الناحيتين العضوية و الثقافية على حد سواء و يستخدم الأميركيون مصطلح الأنثروبيولوجيا الجسمية أو الفيزيقية للإشارة إلى دراسة الجانب العضوي التطوري الحيوي للإنسان , بينما يستخدمون مصطلح الأنثروبيولوجيا الثقافية لمجموع التخصصات التي تدرس النواحي الثقافية و الاجتماعية لحياة الإنسان يدخل في ذلك الدراسات المتعلقة بالإنسان القديم ( الأركولوجيا ) , كما تتناول الأنثروبيولوجيا الثقافية دراسة لغات الشعوب الأولية و اللهجات المحلية و التأثيرات المتبادلة بين اللغة و الثقافة بصفة عامة و ذلك في إطار ما يعرف بعلم اللغة .
أما التصور الأوروبي للإنثروبولوجيا فهو مختلف بين بلد و آخر , فقد كان يقصد بالأنثروبيولوجيا حتى عهد( كانت ) دراسة التاريخ الطبيعي للإنسان حيث اتسعت في أوروبا موضوعات الأنثروبيولوجيا بهذا المعنى و تنوعت لتشمل الدراسات المقارنة بين الإنسان و الحيوان و بين السلالات البشرية بل و حتى الدراسة المقارنة بين الذكور و الإناث و صلة ذلك بالأدوار الاجتماعية .و قد اصطلح الفرنسيون على الأنثروبيولوجيا الاجتماعية بالأثنولوجيا و الأثنوغرافية و هم يدرسونها تحت مظلة علم الاجتماع , أما الإنكليز فأسموها بالأنثروبيولوجيا الاجتماعية و تعاملوا معها كعلم قائم بذاته لا يدرج تحته أي من الأركولوجيا أو علم اللغويات و هذا ما ساعدهم على وضع نماذج نظرية تشرح أبنية المجتمعات و تفسّر الآليات و الوظائف التي تساعد على استمرارية الحياة الاجتماعية و تماسكها , و بهذا خرج إلى الوجود ما يشار إليه مثلاً بأنثروبيولوجيا القرابة أو الدين أو الاقتصاد أو النظم السياسية و غير ذلك مما يسير ضمن إطار الانثروبيولوجيا الاجتماعية . و هكذا فالانثروبيولوجيا الاجتماعية في إنكلترا و إلى حد ما في أميركا استعملت للدلالة على فرع معين من الأنثروبيولوجيا التي تعنى بدراسة الإنسان ثقافياً و اجتماعياً , أما في أوروبا فالقاموس اللفظي مختلف , فعندما يتحدث الأوروبيون عن الأنثروبيولوجيا فهم يذهبون إلى ما يسميه الإنكليز الأنثروبيولوجيا الفيزيقية الحيوية أما ما يسميه الإنكليز بالأنثروبيولوجيا الاجتماعية يسمى في أوروبا بالأثنولوجيا أو بالاجتماعيات . و بشكل علم يمكن تقسيم الأنثروبيولوجيا إلى فرعين رئيسيين يتشعب عنهما مجموعة كبيرة من الفروع الأخرى , الفرع الأول هو الأنثروبيولوجيا الحيوية أو الفيزيقية أو الطبيعية , و هي فرع قديم ظهر في أواخر القرن الثامن عشر تحت تأثير الأفكار الداروينية و هو يهتم بدراسة الإنسان من حيث سماته الجسمية و التشريحية كشكل الجمجمة و طول القامة , كما يدرس الإنسان في نشأته الأولى و في تطوره عن الرئيسيات و في كيفية اكتسابه السمات و الخصائص السلالية التي تميزه عن غيره من الأجناس و الأنواع الحيوانية . أما الفرع الثاني فهو الأنثروبيولوجيا الثقافية ( بشقيها الاجتماعي و الثقافي ) وهي تهتم بدراسة منتجات الإنسان الثقافية على اعتبار أنه نوع يتميز عن بقية الأنواع الحيوانية بالثقافة و هذا الفرع تندرج تحته مجموعة من المباحث الأساسية هي علم اللغويات الأنثروبولوجية التي تقوم بدراسة اللغات و تاريخها دراسة بحثية وصفية بغية تحديد أصول اللغات الإنسانية بالإضافة للأنثروبيولوجيا الاجتماعية التي تنقسم بدورها إلى عدة فروع سياسية و قانونية و اقتصادية و دينية … الخ , ثم هناك علم الآثار و ما قبل التاريخ الذي يحاول دراسة أسلوب تطور تفكير الإنسان القديم من خلال مخلفاته الأثرية المختلفة و طرق تطويرها . ومن هذا التيار يمكننا الحديث عن تياران أساسيان هما الأنثروبيولوجيا الاجتماعية و الأنثروبيولوجيا الثقافية , الأولى تهتم بدراسة المجتمعات البسيطة الصغيرة التي يمكن فيها فهم دراسة العلاقة بين النظم الاجتماعية جميعاً , و لذلك بدأ هذا الفرع بدراسة المجتمعات الأولية صغيرة الحجم ذات النسيج الاجتماعي المحدود و المتكامل , و الذي يمتاز ببساطة الفنون و الآلية الاقتصادية و قلة التخصص في الوظائف الاجتماعية , وهذا الاتجاه ساد في إنكلترا بشكل خاص . أما الأنثروبيولوجيا الثقافية فهي بشكل خاص تهتم بالسلوك التقليدي للبشر في السياق الاجتماعي حيث تدرس أنساق الحكم و السلوك لدى الجماعات بدءً من المجتمعات الأولية ذات التكنولوجيا البسيطة وصولاً إلى المجتمعات الأكثر تنظيماً , و على ذلك إذا كانت الانثروبيولوجيا الاجتماعية قد نظرت للإنسان الشامل من خلال نتاجاته فإن نظيرتها الثقافية نظرت للإنسان انطلاقاً من تصوراته و إذا كانت الأنثروبيولوجيا الاجتماعية تركز على العنصر البشري كالعلاقات الشخصية و العلاقات القائمة بين البشر داخل الجماعات فإن نظيرتها الثقافية تركز على الإنجاز الخلاّق و الأهداف و الأفكار التي يتم توضيحها و نقلها من جيل لآخر .و هذا الفرع من الانثروبيولوجيا نجده قد ساد في الولايات المتحدة الأميركية . أما من الناحية المنهجية فإن الأنثروبيولوجيا تقسم إلى فرعين أساسين هما الأثنوغرافية و الأثنولوجيا : و كلمة أثنوغرافية تعود إلى المؤرخ الألماني (ب . ج . نيبور ) عام 1810 و هي تعني الدراسة الوصفية لأسلوب الحياة و مجموعة التقاليد و العادات و القيم و الأدوات و الفنون و المأثورات الشعبية لدى جماعة أو مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة , أما الأثنولوجيا و هي كلمة ظهرت سنة 1787 على يد عالم الأخلاق (دوشوفان ) فهي تهتم بالدراسة التحليلية و المقارنة للمادة الأثنوغرافية بهدف الوصول إلى تصورات نظرية و تعميمات بصدد مختلف النظم الاجتماعية الإنسانية و بهذا تكون الأثنولوجيا هي نظرية الأثنوغرافية , فإذا كانت الأثنوغرافية كالتاريخ تعتمد على الاستقصاء و صياغة المواد , فإن الأثنولوجيا كعلم الاجتماع تحلل و تبرز النماذج المقامة على أساس الوثائق الأثنوغرافية هادفة القيام بتركيب ثلاثي , الأول بيئي يقارن مكانياً بين الجماعات السكانية المتجاورة , و الثاني تاريخي زماني يضع الحوادث الرئيسية الخاصة بجماعة معينة في ديمومة الزمان , و الثالث منهجي يتوصل من خلاله إلى تفسير نمط من التقنيات و المؤسسات أو المواقف المتعلقة بجماعة ما , و الأنثروبيولوجيا وفقاً لذلك هي العلم الذي يقود إلى درجة أعلى من التعميم لأنها تطمح إلى تحقيق المعرفة الشاملة عن الإنسان منذ بداياته حتى الوقت الحالي , و هكذا تغدو علاقة الأثنوغرافية بالأثنولوجيا هي نفس العلاقة بين الأثنولوجيا و الأنثروبيولوجيا حيث ترتبط الأولى بالطابع الميداني التحليلي و الثانية بالطابع النظري التوثيقي التركيبي و الثالثة أعم تشمل الاثنين معاً لتقدم نظرة شاملة و عمومية , بحيث لا يمكننا اليوم التحدث عن بحث أنثروبيولوجي بالمعنى الأكاديمي دون أن يكون قد مر بتلك المراحل الثلاث .